كتب السفير جون وِلكس أن البصرة تمثل أوضح مثال على انهيار آمال العراق الجديد، إذ كان يُفترض أن تتحول بعد 2003 إلى مركز اقتصادي إقليمي وبوابة للعراق تضاهي كبريات مدن الخليج. لكن موقعها الاستراتيجي قرب النفط والمنافذ البحرية جعلها ساحة فساد واستغلال للنخب الشيعية وشبكة النفوذ الإيراني.
أوضح تقرير أتلانتيك كآونسل أن وِلكس زار المدينة في يوليو الماضي كمستشار للقطاع الخاص، بعد آخر زيارة له كسفير بريطاني عام 2019. وأشار إلى تحسن أمني ملحوظ وظهور مؤشرات إعادة إعمار: طرق جديدة، مشاريع سكنية وتجارية، فندق خمس نجوم، ومطاعم جيدة. وسط المدينة بدا أنظف وأكثر حيوية، فيما كانت إجراءات الدخول عبر المطار منظمة ومرحبة رغم ازدحامها بالوافدين، بينهم عمال صينيون يعكسون تنامي دور بكين في قطاعي النفط والبنية التحتية.
لكن الصورة الإيجابية تبقى مثقلة بالفساد وسوء الحوكمة، إذ تتقاسم الأحزاب والميليشيات السيطرة على موارد النفط والموانئ والجمارك ووظائف القطاع العام، إضافة إلى التهريب. القبائل المسلحة تطالب بنصيبها، فيما ترى إيران البصرة منطقة استراتيجية لأمنها، فتستخدم نفوذها عبر حلفائها المحليين، دون أن يصل ذلك لهيمنة مطلقة.
تحدث الكاتب عن المحافظ أسعد العيداني الذي بقي في منصبه ثماني سنوات رغم الظروف المعقدة. السكان يشعرون بالإحباط لأن نصيبهم من ثروات محافظتهم محدود، ويخرجون في احتجاجات صيفية متكررة بسبب نقص الماء والكهرباء والوظائف والخدمات. أزمة المياه النظيفة تمثل أبرز فضائح الحكم بعد 2003، إذ أدت السدود التركية والإيرانية إلى تقليص تدفقات نهري دجلة والفرات، وزادت ملوحة المياه من الخليج. انهيار البنية التحتية وغياب مشاريع التحلية الكبيرة بسبب الفساد والصراعات السياسية عمّق الكارثة.
زار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني البصرة خلال وجود وِلكس هناك، وأطلق مشاريع كبرى بينها محطة لتحلية مياه البحر بالتعاون مع شركة "باور تشاينا". ورغم آمال السكان، يظل الشك قائمًا حول قدرة الإرادة السياسية على تجاوز العوائق المزمنة.
أشار الكاتب إلى أن مشروع الحد من حرق الغاز المصاحب في حقول البصرة أحرز تقدمًا تدريجيًا، حيث لاحظ انخفاضًا ملموسًا في معدلات الحرق خلال جولته. وزارة النفط وشركات الطاقة العالمية تعهدت بخطوات إضافية في الأعوام المقبلة. السوداني ربط اسمه بمشاريع طرق وجسور وطاقة شمسية ومياه وكهرباء، ولم يقتصر خطابه على وعود انتخابية. فقد اكتسب سمعة كمهندس تكنوقراط نفّذ خلال ثلاث سنوات أكبر موجة إعمار في العراق منذ 2003، خاصة في بغداد.
يرى الكاتب أن الوضع السياسي في البصرة والعراق لا يلبي تطلعات الناس، لكنه يوفر قدرًا من الاستقرار يسمح بإعادة الإعمار. القوى العراقية باتت تبني قدرة أكبر على إدارة شؤونها على مستوى الدولة والمحافظات، فيما يضغط الرأي العام عبر الانتخابات والاحتجاجات. كما امتنعت إيران عن جر العراق عسكريًا في النزاع الإقليمي الأخير مع إسرائيل لتجنب المخاطرة بشبكتها الداخلية من الحلفاء.
أكد وِلكس أن العراق لا يزال بعيدًا عن السيادة الكاملة والازدهار، لكنه يسير ببطء نحو بناء الثقة بين القوى السياسية وتجاوز الانقسامات الطائفية. ورغم فشل تجربة تشكيل حكومة متنوعة طائفيًا وعرقيًا بعد الانتخابات الأخيرة، فإن مثل هذه المحاولات ستستمر. الطريق نحو الاستقرار الدائم يحتاج وقتًا وصبرًا، ولا يمكن للدعم الخارجي أن يحل محل الإرادة العراقية.
أضاف أن المؤشرات العامة إيجابية: نمو الاقتصاد غير النفطي، مشاهد الإعمار، وتصريحات المواطنين التي تعكس تحسنًا رغم استمرار الفساد كعائق رئيسي. دوليًا، لا يرغب العراق في الارتهان لطرف واحد، بل يسعى لعلاقات متوازنة مع القوى الكبرى. ازداد الحضور الصيني في السنوات الأخيرة، لكن الشركات الغربية لا تزال موجودة، بينما تدرك النخب العراقية أن التنمية الحقيقية تتطلب دورًا أوسع للقطاع الخاص المحلي والشراكات الدولية.
يختم الكاتب بالقول إنه غادر البصرة هذه المرة أكثر تفاؤلًا مما كان قبل ست سنوات، إذ لمس ملامح أمل في أن تنال المحافظة وأهلها نصيبًا أوفر من التحسن الجاري في العراق خلال السنوات المقبلة.